يرى محللون ومختصون في الشأن الإيراني أن المفاوضات مع نظام الجمهورية الإسلامية مضيعة للوقت، إذ يواصل التيار المتشدد داخل إيران الدفع باتجاه الخيار النووي بدلًا من التفاوض مع الولايات المتحدة، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اجتماعه مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الإثنين الماضي، أن "المفاوضات المباشرة" بين طهران وواشنطن ستبدأ في سلطنة عمان يوم السبت المقبل الموافق لـ12 من أبريل الجاري، اضطر المسؤولون الإيرانيون إلى الكشف عن أبعاد جديدة من المفاوضات بين البلدين.
عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، الذي كان أكد يوم الإثنين الماضي إجراء "مفاوضات غير مباشرة" مع الولايات المتحدة من دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل، عاد وأكد من جديد يوم الثلاثاء الماضي تصريحات ترامب في شأن بدء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة يوم السبت المقبل في سلطنة عمان، لكنه زعم أن المفاوضات ستكون غير مباشرة.
وفي منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، قال عراقجي إن "إيران والولايات المتحدة ستلتقيان يوم السبت في عمان لإجراء مفاوضات غير مباشرة رفيعة المستوى. هذه فرصة، واختبار في الوقت نفسه، الكرة الآن في ملعب أمريكا".
وكان وزير الخارجية الإيراني وصل إلى العاصمة الجزائرية صباح يوم الثلاثاء الماضي في زيارة رسمية للقاء المسؤولين هناك، إذ قال في تصريحات للصحفيين حول طبيعة التفاوض بين ممثلي إيران وأمريكا إن "شكل المفاوضات، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، ليس هو العامل الأهم. ما يهم حقًا هو مدى فاعلية المفاوضات، وجدية الطرفين، وإرادتهما في التوصل إلى اتفاق".
من جهتها، صرحت المتحدثة باسم حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان فاطمة مهاجراني الثلاثاء الماضي: "لقد أكدنا في أكثر من مناسبة أننا على استعداد للتفاوض، وإذا ما خوطبنا بلغة الاحترام، فسنتفاوض". ومع ذلك، نفت مهاجراني أيضًا - كما فعل غيرها من المسؤولين الحكوميين - أن تكون المفاوضات مباشرة.
وذكرت تقارير إعلامية أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وممثل إدارة الرئيس ترمب لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيحضران المفاوضات، التي ستجري يوم السبت المقبل في سلطنة عمان.
وأثار ويتكوف الجدل أخيرًا بتعليق من مفردة واحدة على أحد منشورات عراقجي والمتعلقة بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، وذلك عبر منصة "إكس"، إذ كتب ويتكوف مفردة "رائع"، لكنه سرعان ما حذف التعليق بعد ثوان قليلة من نشره، يذكر أن ويتكوف لعب أيضًا دورًا محوريًا في مفاوضات غزة.
ووسط تضارب التصريحات بين المسؤولين الإيرانيين في شأن طبيعة المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، نقلت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري عن الوزير عراقجي تأكيده أن المحادثات بينه وبين ويتكوف ستجري بصورة غير مباشرة.
في السياق ذاته، أعلن الكرملين، المطلع على مواقف النظام الإيراني وسياساته، دعمه الكامل للمسار التفاوضي، مؤكدًا أن "روسيا ستدعم المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في شأن البرنامج النووي".
وأفادت وسائل إعلام بأن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ستبدأ بصورة غير مباشرة، وفي حال حصل تقدم في المرحلة الأولى، فمن المتوقع أن تعقد الجولة التالية من المفاوضات بصورة مباشرة.
في تصريح آخر حول طبيعة الحوار بين إيران والولايات المتحدة، قال الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني الثلاثاء الماضي إنه "في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كانت المفاوضات المباشرة مع وزراء الخارجية هي التي مهدت الطريق. لو كانت المفاوضات غير مباشرة، لما كنا توصلنا إلى الاتفاق النووي، لا في عامين، بل ولا حتى في 20 عامًا". وأعرب روحاني أيضًا عن أمله في أن تسهم جهود حكومة بزشكيان وتوجيهات المرشد علي خامنئي في إبعاد "شبح الحرب" عن البلاد.
محاور المفاوضات
وخلال مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض- في وقت سابق- بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، رد ترمب على سؤال أحد الصحفيين في شأن إيران، مؤكدًا أنه في حال الدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد مع النظام الإيراني، فإن هذا الاتفاق سيكون مختلفًا عن الاتفاق النووي السابق (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وربما أقوى بكثير.
وردًا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة، تحت قيادته، مستعدة لاتخاذ إجراء عسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني في حال فشل المسار الدبلوماسي، قال الرئيس الأميركي "إنني أعتقد أنه إذا ما لم تنجح المفاوضات مع النظام الإيراني، فستكون إيران في خطر كبير جدًا. ويؤسفني أن أقول ذلك، لكن نعم، إيران في خطر كبير، لأنه لا يمكنهم امتلاك الأسلحة النووية. كما تعلمون، هذه ليست معادلة معقدة. النظام الإيراني لا يمكنه أن يمتلك سلاحًا نوويًا".
وقبل لحظات من إعلان ترامب أن الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران، أدلى نتنياهو بتصريحات حذرة أعرب فيها عن دعم بلاده لهذا المسار الدبلوماسي، قائلًا "لدينا موقف مشترك يتمثل في منع النظام الإيراني من امتلاك الأسلحة النووية. وإذا ما تحقق هذا عبر الوسائل الدبلوماسية وبصورة كاملة، وبالطريقة ذاتها التي جرى بها التخلص من البرنامج النووي الليبي، فأعتقد أنه سيكون أمرًا جيدًا. ولكن مهما حدث، يجب علينا أن نضمن عدم تمكن النظام الإيراني من الحصول على السلاح النووي".
وأشار نتنياهو إلى النموذج الليبي، حين قرر معمر القذافي وقف برنامج بلاده التسليحي بالكامل، ودعا المفتشين الدوليين إلى التحقق من تنفيذ هذا الإجراء، كما أكد مسؤولؤن في الإدارة الأميركية أن ترامب يريد تفكيك جميع الأنشطة النووية الإيرانية.
ومن المقرر أن تتركز المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة التي تنطلق السبت في سلطنة عمان على البرنامج النووي، الذي تزعم طهران أنه ذو طابع سلمي بحت.
الاستخدام السلمي
في السياق نفسه، جدد بزشكيان، الإثنين الماضي، تأكيده أن إيران لا تسعى إلى امتلاك القنبلة النووية، وأن الهدف من البرنامج النووي لبلاده هو الاستخدام السلمي فقط.
وفي معرض إشارته إلى التوتر القائم بين طهران وواشنطن، قال الرئيس الإيراني إن بلاده لا ترفض المفاوضات، لكنها لا تقبل بالحوار مع الولايات المتحدة في ظل الضغوط والتهديدات، مضيفًا أن "التأكيد بأن النظام الإيراني لا ينوي استخدام القدرات النووية لأغراض غير سلمية، هذا ليس كلامي، بل هو فتوى شرعية صادرة عن المرشد (خامنئي)".
وتأتي هذه التصريحات في وقت أفاد فيه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي في تقريره الصادر في مارس الماضي، مجلس محافظي الوكالة، بأن مستوى اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة لدى النظام الإيراني ارتفع إلى 275 كيلوجرامًا.