أخبار عاجلة

"الموت الرحيم" بين الدين والرحمة المزعومة .. جدل فقهي وحقوقي لا ينتهي

"الموت الرحيم" بين الدين والرحمة المزعومة .. جدل فقهي وحقوقي لا ينتهي
"الموت الرحيم" بين الدين والرحمة المزعومة .. جدل فقهي وحقوقي لا ينتهي

حين تتقاطع مشاعر الرحمة مع اعتبارات القانون، وتتمازج أسئلة الوجدان بحدود الممارسة الطبية، يبرز نقاش الموت الرحيم واحدا من المواضيع الشائكة.

ويثير “الموت الرحيم” سجالا بين من يراه حقا إنسانيا في وضع حد لمعاناة لا تحتمل، ومن يعتبره مساسا بقدسية الحياة، ليبقى النقاش حول شرعية هذا الموت مفتوحا محملا بأسئلة مؤرقة حول حدود المسؤولية الطبية وكرامة الإنسان وحقه في تقرير مصيره.

القتل و”الرحمة المزعومة”

الدكتور محسن اليرماني، باحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان، قال إن الإنسان في المنظور الديني مخلوق مكرّم اصطفاه الله تعالى وفضّله على سائر المخلوقات، حين جعله خليفة في الأرض، كما جاء في قوله تعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”.

وأوضح اليرماني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الخلافة لا تُؤتى ثمارها إلا من خلال حفظ النفس وإحيائها، والابتعاد عن كل ما من شأنه تعريضها للهلاك، لأن في ذلك تعطيلا لأمانة الاستخلاف التي لا تُبنى إلا بالحفاظ على الحياة وإعمار الأرض بما ينفع الخلق ويرضي الخالق”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “القرآن الكريم يعرف العديد من الآيات التي تفيد بمجموعها تحريم قتل النفس والاعتداء عليها بغير حق”، مؤكداً أن “الإسلام يحرم القتل العمد ويعده من الموبقات السبع التي تهلك صاحبها، كما يحرم قتل الأطفال والانتحار”، ومشددا على أن “النفس التي أودعها الله في الإنسان ليست ملكا له، بخلاف ما تروج له بعض التصورات والفلسفات الوضعية، بل هي أمانة من الله أوكل إلى الإنسان مسؤولية تعهدها وحفظها وصونها من كل أذى أو تهلكة”.

أورد الباحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان أن ما يسمى اليوم “الموت الرحيم” هو “القتل”، وزاد: “القتل والرحمة لا يجتمعان أبدا. ويبدو أن مؤيدي هذا النوع من القتل استبدلوا مصطلح القتل بالموت، والفرق بينهما واضح، فالقتل انتهاك لحق الإنسان في الحياة، الذي يعد من أسمى الحقوق التي نصت كل الشرائع والأديان على حفظها”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أنه “في الإسلام تُنزل الوسائل منزلة المقاصد، فتحكم الوسيلة بحكم الهدف المتوخى منها؛ ولذلك فإن المقاصد النبيلة، كمقصد الرحمة، لا يصح التوسل إليها بالقتل وسيلة”، مبرزا أنه “من هذا المنطلق لا يجوز للإنسان أن يعجل بموته بقتل نفسه طلبا للرحمة، إذ يقول تعالى: ‘ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما’، ويؤكد سبحانه في آية أخرى ‘ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون'”.

وختم الدكتور محسن اليرماني تصريحه قائلاً: “ولا ينبغي للإنسان أن يتسوّل الرحمة بطلبه من طبيب أو غيره أن يضع حداً لحياته، كما لا يحق لأي أحد، مهما كانت درجة قرابته، أن يسمح أو يأذن بإنهاء حياة نفس لم يحن أجلها بعد، ولم يكتب الله تعالى وفاتها؛ حتى وإن كانت النوايا حسنة، وكان الدافع هو الشفقة أو الرأفة، فإن ذلك يظل قتلا محرّما لا تبرره العواطف ولا تبيحه الرحمة المزعومة”.

نحو حوكمة أخلاقية

عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إنه “من منظور احترام كرامة الإنسان وصون حقوقه الأساسية ينبغي التعامل مع القضايا المرتبطة بالبحوث البيوطبية، مثل التبرع بالأعضاء أو الموت الرحيم أو الاتجار بالأعضاء البشرية، في إطار المرجعيات الحقوقية الكونية، كما تقرها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، والدستور المغربي، وكذا القوانين ذات الصلة المعمول بها في هذا المجال”.

وأضاف عبد الإله الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “ما سبق أن أكدته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن ضرورة إحداث لجنة وطنية مستقلة متعددة التخصصات لتقييم القضايا المرتبطة بالبحوث البيوطبية يندرج ضمن تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية، باعتبارها خطوة أساسية نحو إرساء حوكمة أخلاقية تقوم على أسس حماية حقوق الإنسان وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في تدبير التحديات المستجدة في هذا المجال الحساس”.

وأورد المتحدث ذاته أن “هذه القضايا لا تقتصر فقط على بعدها الطبي أو التقني، بل تمس بشكل مباشر مبادئ قيمية وكونية في آن واحد، من قبيل الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية والمعنوية، وحرية الفرد في اتخاذ قراراته المتعلقة بجسده دون إكراه أو استغلال”.

وأكد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان أن “مراجعة الإطار التشريعي الحالي وفتح نقاش عمومي موسع لم يعدا مجرد ترف، بل أصبحا ضرورة ملحة تفرضها سرعة التحولات العلمية والاجتماعية”، لافتا إلى أن “هذه المراجعة تستوجب إشراك مختلف الفاعلين، من بينهم المجلس العلمي الأعلى، والمجتمع المدني، والهيئات الطبية وعلماء الاجتماع، بالإضافة إلى رجال القانون والاقتصاد والإعلام”.

وأضاف الخضري أن “احترام أخلاقيات البيولوجيا، بما في ذلك مبادئ الإنصاف، والاستقلالية، وعدم الإضرار، والعدالة الاجتماعية، لا بد أن يمر حتما من خلال تمكين المواطن من الوصول إلى المعلومة الدقيقة، وتعزيز وعيه وحمايته من كل أشكال الاستغلال أو التمييز”، مشددا على أن “هذا الأمر يكتسي أهمية خاصة في المواضيع ذات الحساسية، مثل التبرع بالأعضاء أو الموت الرحيم، مع مراعاة قيمه الاجتماعية والدينية التي يؤمن بها”.

وختم المتحدث إفادته بالتأكيد على أن “أي إصلاح تشريعي أو مؤسساتي في هذا المجال يجب أن يُبنى على قاعدة حقوقية صلبة، تحترم الكرامة الإنسانية وتؤسس لمجتمع أكثر عدلا وتضامنا”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ترامب يهاجم زيلينسكي مجددا: لم يقوم بالعمل الأفضل
التالى ترامب يعلن عن محادثات مع الصين للتوصل إلى اتفاق بشأن الرسوم المتبادلة