قالت أمل الفلاح السغروشني، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، إن “إفريقيا تدخُل العصر الرقمي لتعيد تصميم وتحديد دورها”، مضيفة أنه “يجب أن ننظُر إلى ما وراء العصر الرقمي-نحو العصر القادم الذي بدأ بالفعل في تشكيل اقتصاداتنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا. هذا العصر هو عصر الذكاء الاصطناعي”، خاصة بالذكر مخاطر “الذكاء العميل (Agentic AI)”.
وذكرت السغروشني خلال افتتاح فعاليات النسخة الثالثة من “معرض جيتكس إفريقيا”، بحضور أعضاء من الحكومة والرؤساء التنفيذيين ومدراء الشركات التكنولوجية فضلا عن مسؤولين إداريين ومُمثلي الوفود، أنه “من هذا المنطلق، نجتمعُ هنا كل عام في معرض جيتكس أفريقيا لأجل أن نفحص ونطرح الأسئلة، وقبل كل شيء لنعيد تصميم دور إفريقيا في العصر الرقمي”.
وحسب وزيرة الانتقال الرقمي، فإن “هذا الحدث يجمع مكونات المنظومة بأكملها: الحكومات والشركات العالمية والمؤسسات البحثية والشركات الناشئة، ليس فقط لتبادل التقنيات، بل لإعادة التفكير في المستقبل الذي نبنيه معا”، موردة: “نحن نفعل ذلك بقناعة بأن التحول الرقمي لم يعد خياراً، بل هو رافعة أساسية للتنمية”، مبرزة أنه “مع ذلك، يجب أن يذهب طموحنا اليوم إلى أبعد من ذلك”.
“سعيدة بلقائكم اليوم والترحيب بكُم في النسخة الثالثة من معرض جيتكس إفريقيا، الذي تحتضنه بلادنا تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهو الحدث القاري الضخم المخصص للتكنولوجيا والابتكار الذي يجمع نخبة المنظومة الرقمية الإفريقية والدولية على مدى ثلاثة أيام بمدينة مراكش”، قالت الوزيرة مخاطبة الحضور، مستحضرة تأكيد الملك محمد السادس في خطابه الموجه إلى القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي بكيغالي في مارس 2018 أن “إفريقيا ماضية اليوم في طريقها لتصبح مختبراً للتكنولوجيا الرقمية”، معتبرة أنها “الرؤية المتبصرة التي توجه مبادرات بلادنا وقارتنا”.
40% من الشركات تدمج الذكاء
السغروشني لفتت إلى أن ذلك “يأتي للتأكيد على الأهمية المتزايدة للاقتصاد الرقمي، الذي يُمثل اليوم 15 في المائة من الناتج المحلي العالمي، أي ما يُقدر بـ 6500 مليار دولار”.
ووعياً منها بأهمية هذه الثورة الرقمية، شددت وزيرة الانتقال الرقمي على “انخراط المملكة المغربية بشكل فعال في تشكيل أُسس مستقبل تعود فيه الرقمنة، ومن خلالها الذكاء الاصطناعي، بالنفع على الجميع”.
“هذه الحقبة ليست بعيدة المنال، بل إنها ليست حقبة بعيدة”؛ فـ”عصر الذكاء الاصطناعي هو هنا بالفعل، وهو يتحرك بسرعة”، حسب السغروشني التي أضافت أنه “في معرض جيتكس إفريقيا، ما يقرب من 40% من جميع الشركات الناشئة الحاضرة تُدمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها وخدماتها الأساسية”.
وتابعت بالشرح أمام الحاضرين لافتتاح “جيتكس إفريقيا المغرب 2025” بأن “هذا ليس اتجاهاً منعزلاً. إنه يعكس تحولاً أعمق… تحولاً في بنية الابتكار ذاتها”.
“من الذكاء الإدراكي والتوليدي إلى العميل Agentic”
وفي عرض مفصل أمام الحضور، شرحت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، التي راكمت خبرات ضمن مسارها في مجال الذكاء الاصطناعي، أنه “لكي نفهم تماماً ما ينتظِرُنا في المستقبل، يجب أن ننظر بإيجاز إلى أين بدأ الذكاء الاصطناعي”.
“لقد بدأنا بالذكاء الاصطناعي المرتكز على الإدراك عبر آلات مصمّمة للاستنتاج، مبنية على المنطق الرمزي والأنظمة القائمة على القواعد. كانت هذه الأنظمة المبكرة تحاكي التفكير البشري، لكنها كانت محدودة بسبب الجمود”، بتعبير آمال السغروشني، مبرزة “الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي المرتكز على البيانات-الجيل الأول-حيث اكتسبت الآلات القدرة على التحليل. ومن خلال النماذج الإحصائية والتنقيب عن البيانات والتعلم تحت الإشراف، أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي اكتشاف الأنماط واستخلاص الرؤى على نطاق أوسع”.
أما اليوم، تواصل الوزيرة ضمن كلمتها الافتتاحية لأضخم حدث تكنولوجي، فـ”نحن في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي ومتعدد الوسائط. حيث تقوم الآلات بتوليد الصور، وتوليف الكلام، وتأليف النصوص، وحتى محاكاة الحوار البشري والخيال… ومع ذلك، هذه ليست الوجهة النهائية”.
“نحن الآن نقف على عتبة حدود جديدة: الذكاء الاصطناعي العَميل، أو ما يصطلح عليه بالإنجليزية “Agentic AI”.
وأوضحت أنها “فئة ناشئة من الأنظمة التي لا تكتفي بتوليد المحتوى أو الاستجابة للمطالبات، بل تتصرف. تعمل بشكل مستقل. تتعلم باستمرار. تُخطط وتفكر وتتخذ القرارات في مختلف المجالات”، واصفة في صيغة تأكيد: “التحوّل من الأدوات إلى الوكلاء (agents)”، بأنه “تحول عميق جدا”.
واستدركت الوزيرة منبهة إلى أنه “يجب علينا-أيضًا-مواجهة التصدعات؛ انقسامات حقيقية تهدد بتعزيز التبعية بدلاً من السيادة”.
وقالت بهذا الشأن: “أولاً، انقسام الحوسبة: يوجد أقل من 1% من سعة مراكز البيانات العالمية في أفريقيا. ثانياً، فجوة المواهب: تنتج القارة الأفريقية 0.5% فقط من المنشورات البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك تواجه نقصاً في أكثر من 10 ملايين متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي”.
أما “ثالثاً، فجوة البيانات والنماذج” لأن “95% من بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي العالمية تتجاهل اللغات والسياقات الثقافية الأفريقية. هذه الفجوات ليست تقنية فقط، بل جيو-سياسية. وهي تستدعي اتخاذ إجراءات استراتيجية وجماعية وعاجلة”، حسب المسؤولة الحكومية المغربية.
ولم تخلُ كلمة الوزيرة من عرض الاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030” (Digital Morocco 2030) التي تم إطلاقها في سبتمبر 2024، مشددة أنها “مدعومة بمبادرات ملموسة: مركز D4SD لتنسيق التطوير الرقمي والذكاء الاصطناعي على المستوى الإقليمي”، وكذا “معاهد JAZARI – الجسور الإقليمية بين البحث والابتكار والنظُم الرقمية المحلية”، فضلا عن “استثمار ضخم في البنية التحتية الرقمية السيادية”.
يشار إلى أن ثالث دورات “جيتكس إفريقيا” تحضرها أزيد من 650 مؤسسة حكومية، مع مشاركة أكثر من 350 مستثمرا وما يزيدُ عن 660 متحدثا من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن 45 ألف مشارك، مع 1400 عارض من 130 دولة.
ويرتقب أن يتم “تنظيم ندوات قطاعية وإبراز قطاعات استراتيجية مثل تكنولوجيا التعليم (EdTech)، والتكنولوجيا الزراعية (AgriTech)، والتكنولوجيا الصحية (HealthTech)، والتكنولوجيا الرياضية (SportsTech)، مع ترقّب إبرام شراكات فاعلة تُسرع دمج القارة في الاقتصاد الرقمي العالمي، مما يعزز مكانة إفريقيا كمركز عالمي للابتكار”.