أخبار عاجلة
الفاتيكان يكشف عن سبب وفاة البابا فرنسيس -
رسمياً.. موعد امتحانات الثانوية العامة 2025 -

مجاعة مصطنعة.. السودان خارج دائرة الأمن الغذائي والدوائي

مجاعة مصطنعة.. السودان خارج دائرة الأمن الغذائي والدوائي
مجاعة مصطنعة.. السودان خارج دائرة الأمن الغذائي والدوائي

على أعتاب السنة الثالثة من عمر الحرب في السودان أسهمت الاضطرابات والتطورات المتلاحقة في تدهور الوضع الصحي، مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة الناتجة من الجوع وتحلل الجثث التي لا تزال ملقاة في الطرقات ووسط الأحياء السكنية، علاوة على توقف 80 في المئة من المؤسسات الصحية عقب اندلاع الحرب، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

ومع اقتراب الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على إكمال العامين، من دون وجود أفق تنهي أزمة السودان، لا بد من الإشارة إلى أن الصراع لم يكن الأول في تاريخه الحديث منذ استقلال البلاد عام 1956، إلا أنه يعتبر الأكثر امتدادًا في رقعته الجغرافية مما أثر في حياة السودانيين. فمن جملة 18 ولاية طاولت الحرب 14 منها مخلفة عشرات آلاف القتلى والجرحى، إضافة إلى إحداثها دمارًا اقتصاديًا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، ووضعًا إنسانيًا مأسويًا، فضلًا عن تشريد الملايين قسرًا من منازلهم في ظل انكماش مساحات الملاذات الآمنة للفارين من مناطقهم، كذلك أدخلت الحرب 25 مليونًا في دائرة الجوع بعد استخدام طرفي الصراع الغذاء سلاحًا بعرقلة قوافل الإغاثة التي تقدمها المنظمات الدولية للمتأثرين منذ اندلاع هذا الصراع.

وبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لهذا العام، فإن شبح المجاعة تمدد ليشمل خمس مناطق إضافية في شمال دارفور، وحدد 17 منطقة أخرى في أنحاء السودان معرضة لخطر المجاعة نتيجة الصراع المستمر، لا سيما أن أكثر من 30 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات عاجلة و25 مليون سوداني يعانون الجوع الحاد (المرحلة الثالثة لانعدام الأمن الغذائي)، فيما يتوقع أن يصل أكثر من 8 ملايين شخص للمرحلة الرابعة (الطوارئ) من بينهم 3.7 مليون طفل تحت سن 5 سنوات، إلى جانب النساء والحوامل اللاتي يحتجن إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، في حين قدرت حاجة السودان إلى تغطية الكارثة الإنسانية بـ6 مليارات دولار لم يجمع منها سوى 252.6 مليون دولار.

مجاعة مصطنعة

وكانت الحكومة السودانية شككت عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس في التصنيف المرحلي للمجاعة في السودان، مشيرة إلى أن هناك معايير فنية دولية لإعلان المجاعة في أي دولة تتمثل بإجراء مسوحات لتحديد الحالة الغذائية بناءً على مؤشرات التصنيف المرحلي، وفقًا للنظام المتبع الذي يبدأ عادة من القرى صعودًا إلى المحليات والولايات وصولًا إلى المستوى القومي.

في المقابل نفى وزير الزراعة السوداني أبو بكر محمد البشرى بيانات الأمم المتحدة التي تتحدث عن معاناة بلاده نقص الغذاء، مؤكدًا أن السودان يمتلك منذ بدء النزاع مخزونًا غذائيًا من الحبوب الأساس ولا يتوقع أن تتفاقم معه أزمة الجوع.

واستنكر البشرى حديث التقارير الأممية في السودان، في وقت وصل إنتاج البلاد حين إعلان المجاعة إلى 3.3 طن من الذرة الرفيعة و687 ألف طن من الدخن وهما المحصولان الأساسيان في الغذاء، لافتًا إلى أنه على رغم استمرار الحرب وصل الإنتاج الحالي للمحصولين نحو 6 ملايين طن، لكنه أشار إلى أن هناك معوقات لوجيستية لإيصال الغذاء للمناطق التي تشهد نزاعًا نشطًا بخاصة في دارفور وكردفان.

في الأثناء احتفلت بعض الولايات كما هو معروف بموسم حصاد بعض المحاصيل الزراعية، من ضمنها الولاية الشمالية، التي أقامت فعاليات العيد القومي الثاني للحصاد تحت شعار "السودان لن يجوع"، إذ أشارت التقارير إلى أن الموسم الزراعي غطى مساحة 195 ألف فدان من القمح ضمن إجمالي 400 ألف فدان زرعت في الموسم الشتوي مع توقعات إنتاجية تراوح ما بين 25 و30 جوالًا للفدان.

وتأتي هذه الفعاليات في إطار تعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الإنتاج المحلي وسط اهتمام متزايد بدعم القطاع الزراعي وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الزراعية في ظل الحرب.

دوافع وحقائق

وفي السياق أوضح المحلل الاقتصادي محمد الناير أن "كل التقارير الأممية المتعلقة بالشأن السوداني منذ اندلاع الحرب وبخاصة الغذاء، غير صحيحة ولم تكن محايدة، فضلًا عن أن المتفق عليه عالميًا أن أي تقارير تصدر من منظمات لا بد من أن تتوافق مع التقارير المحلية للدولة المعنية، إذ إن الأمم المتحدة لا وجود لديها في السودان ولم تجر مسحًا للأمن الغذائي على أرض الواقع حتى تحدد إن كانت هناك مجاعة أم لا، بل كان من الأجدى أن تنسق مع السلطات الرسمية حول الإحصاءات والأرقام، لذلك نستطيع القول إن كل التقارير المعنية بالغذاء لديها دوافع أخرى غير الدافع الاقتصادي أو الإنساني".

وأضاف الناير "بتقديري أن السودان لن يتعرض لمجاعة، فأي دولة تعيش الحرب تعاني حتمًا تداعياتها سواء في ارتفاع المواد الغذائية أو تصاعد معدل الفقر وفقدان مصادر الدخل، إلى جانب تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع التضخم، لا سيما أنها عواقب اقتصادية حتمية في ظل الحرب".

وتابع "عندما نقول إن السودان لن يجوع فهو استنادًا إلى حقائق، إذ أعلن وزير الزراعة أن إنتاج السودان الآن تجاوز 6 ملايين طن من الحبوب خصوصًا الدخن والذرة الرفيعة مع تراجع لا يذكر في محصول القمح، إذ إن استهلاك البلاد أقل من 4 ملايين طن، في وقت يملك 85 مليون هكتار صالحة للزراعة، المستغل منها قبل اندلاع الحرب وبعدها لم يتجاوز الـ20 في المئة، وبذلك يكون لديه 65 في المئة من المساحات غير المزروعة، وعند خروج أحد المشاريع الزراعية بسبب اجتياحها من قبل قوات ‘الدعم السريع‘ كمشروع الجزيرة قبل تحريره، فيمكن أن يعوض بما لديه من مساحات زراعية شاسعة وهذا ما حصل فعليًا".

وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن "السودان غني بثروات أخرى، فضلًا عن أنه يمتلك 130 مليون رأس من الماشية ويعتبر مصدرًا متنوعًا في المياه قل ما تتوفر في معظم دول العالم، مثل حصته في نهر النيل التي تفوق 18.5 مليار متر مكعب، في وقت المستفاد منه فقط نحو 12 مليار متر مكعب، علاوة على المياه الجوفية ومياه الأمطار التي إذا ما جرى حصرها بإقامة السدود عبر الوديان بالتأكيد ستتضاعف حصة السودان في نهر النيل، وعليه وبالنظر إلى هذه الموارد الضخمة، يجب أن تراجع الأمم المتحدة تقاريرها عن السودان حتى تكون هناك دقة وصدقية".

فجوة وتدهور

وبسبب نقص الغذاء يتصدى عدد من المتطوعين بالسودان من خلال المبادرات المحلية والمنظمات الدولية لشبح المجاعة وكارثة تدهور الأمن الغذائي، في تقديم مساعدات للسكان العالقين في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا، لكن تظل المجهودات أقل من حجم الفجوة الموجودة.

وفي هذا السياق، يقول عضو غرفة الطوارئ في أم درمان أحمد عبدالرحمن إن "الأزمة الإنسانية تتصاعد بسبب استمرار الحرب، التي تشارف على إكمال عامين من دون أفق ينهي هذا الصراع بعد نسف كل المبادرات الدولية والإقليمية، مما أدى إلى أوضاع كارثية استهدفت المواطن، بخاصة في ما يتعلق بنقص الغذاء وتفشي المجاعة، التي باتت تهدد حياة الملايين، علاوة على ارتفاع الأسعار مع ندرتها".

وأضاف عبدالرحمن "غالبية السكان العالقين في المناطق الأكثر تأثرًا بالحرب بعدما عجزوا عن تأمين وجبة واحدة في اليوم أصبحوا يعتمدون بصورة أساس على المطابخ الجماعية، التي بدورها تقلصت بسبب وقف التمويل، مما جعل الناشطين الذين يعملون في غرف الطوارئ في مدن العاصمة الثلاث يتجهون إلى جمع التبرعات المحلية من الخيرين، إضافة إلى المناشدات التي يطلقونها بصورة دائمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تقديم الدعم والمساهمة حتى لا تتوقف المطابخ الخيرية، التي تشكل استمراريتها إنقاذ حياة الآلاف من الموت تضورًا، ومن المؤسف نجد في كثير من الأحيان عودة أوان فارغة لمواطنين بسبب عدم تغطية كل المحتاجين الذين تتزايد أعدادهم يومًا تلو الآخر".

وأشار إلى أنه "بات من المؤكد أن الأزمة الإنسانية متفاقمة بسبب عدم الجنوح للسلم ووقف الحرب نتيجة لتصريحات طرفي الصراع بتصعيدها، خصوصًا ‘الدعم السريع‘ الذي يهدد باستعادة المناطق التي حررها الجيش وتمدده نحو شرق البلاد وشمالها لتشمل الولايات الآمنة التي تحتضن النازحين الفارين من جحيم الحرب في مناطقهم، فضلًا عن معاناتهم المعيشية المزرية في معسكرات الإيواء بسبب فقدان مصادر دخولهم مع تقليص فرص إيجاد أنشطة تدر أموالًا، وفي تقديري أن الضحية هو المواطن الذي يدفع ثمنًا فادحًا في ظل استمرار الحرب".

833.jpg

كارثة وواقع قاتم

وفي إقليم دارفور أعلنت المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة، وهو ما أكده المتحدث باسم منسقية اللاجئين والنازحين في دارفور آدم رجال، بقوله إن "المجاعة موجودة فعلًا في دارفور، فهناك مواطنون غير قادرين على الحصول على الطعام والغالبية يأكلون وجبة واحدة في اليوم وبعضهم وصل إلى أكل مخلفات الطعام ومخلفات المحاصيل التي كانت تستخدم في ما مضى كعلف للحيوانات، وآخرون يأكلون أوراق الأشجار والحشائش، في وقت لا توجد فيه استراتيجيات للتعامل مع الوضع، فضلًا عن احتمال حدوث كارثة إنسانية في الفترة المقبلة وقد تشهد وفيات جماعية".

وأوضح آدم رجال "الحكومة ترفض النتائج، وقد كان هذا موقفها منذ أغسطس (آب) 2024 حين أعلنت منظمات دولية تفشي المجاعة في معسكر زمزم. نحن موجودون في دارفور ونرى النازحين فقدوا كل مقومات الحياة، وقد تتدهور أوضاعهم مع مرور الوقت وتتزايد حاجاتهم من غذاء وماء ودواء وإيواء بعد استهداف المعسكرات من طرفي النزاع".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الشابي: ديربي الرجاء والوداد متوازن
التالى الأمن يوضح بشأن اقتحام مسجد