فرنسيس , في 21 أبريل ، أعلن الفاتيكان وفاة قداسة البابا عن عمر ناهز 88 عاماً، بمقر إقامته في دار القديسة مارتا. برحيله، فقد العالم قائدًا روحيًا استثنائيًا، ترك بصمة عميقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وسجّل اسمه كأحد أكثر الباباوات تأثيرًا وإنسانية.

بابا من خارج التقاليد: أول لاتيني يسوعي في سدة البابوية
وُلد في بوينس آيرس عام 1936 لأسرة من أصول إيطالية، وشق طريقه في الحياة بتواضع وعزيمة، عمل خلالها كعامل نظافة، ثم بعد ذلك التحق بالرهبنة اليسوعية، ودرس الفلسفة واللاهوت. عُيّن كاردينالا في عام 2001، وفي عام 2013 أصبح أول بابا من أمريكا اللاتينية، ومن الرهبنة اليسوعية، وأول من يختار اسم “فرنسيس” تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، رمز الفقر والبساطة.
منذ لحظة انتخابه، ميّز البابا نفسه عن أسلافه باختياره السكن في بيت الضيافة بدلاً من القصر الرسولي، ورفضه الفخامة، مفضلاً التواضع والسفر بالدرجة الاقتصادية. كان أول من تخلى عن مظاهر السلطة ليكون قريبًا من الناس، واضعًا شعار خدمته: “كنيسة فقيرة من أجل الفقراء”.

إصلاحي لكنه تقليدي: البابا فرنسيس يوازن بين الانفتاح والحفاظ على العقيدة
اتسمت فترة حبريته بالسعي إلى إصلاح الكنيسة من الداخل، وفتح أبواب الحوار مع الأديان والتيارات الفكرية المختلفة. فقد دعا إلى التقارب مع الكنيسة الأرثوذكسية، وشارك في صلوات جمعت قادة فلسطينيين وإسرائيليين من أجل السلام. كما رفض وصم الإسلام بالعنف، واعتبر أن جميع الأديان عرضة للتطرف.
رغم انفتاحه، ظل البابا محافظًا في القضايا الأخلاقية. رفض الإجهاض، وعارض زواج المثليين، وإن أبدى تعاطفًا مع حقوقهم المدنية. كما أصر على موقف الكنيسة من عدم سيامة النساء، ورأى أن الحياة تبدأ منذ الحمل ويجب الدفاع عنها.
مواجهة الأزمات: الاعتداءات الجنسية والوباء والتحديات الصحية
أحد أكبر التحديات التي واجهها كانت فضائح الاعتداء الجنسي داخل الكنيسة. ورغم الانتقادات، اتخذ خطوات ملموسة، أبرزها تجريد كاردينالات من رتبهم الكنسية، ودعوة إلى الشفافية والمحاسبة.
في ظل جائحة كوفيد-19، ألغى لقاءاته العامة حفاظًا على الصحة العامة، واعتبر التطعيم مسؤولية أخلاقية. وحتى مع تدهور صحته، ظل يؤدي مهامه بعزم، وقاد حملات من أجل السلام في جنوب السودان وأوكرانيا، رغم الانتقادات التي وُجهت لبعض تصريحاته.

إرث البابا فرنسيس لا يُنسى: كنيسة عالمية أكثر شمولاً
ترك الراحل إرثًا غير مسبوق، إذ عيّن أكثر من 140 كاردينالاً من خارج أوروبا، مما أعطى للكنيسة الكاثوليكية طابعًا عالميًا أوسع. سعى إلى تحويل الكنيسة إلى صوت للفقراء والمظلومين، داعيًا إلى التخلي عن التمركز حول الذات.
وبقوله: “أفضل كنيسة جريحة تخدم الآخرين على كنيسة مريضة منغلقة على نفسها”، لخّص فلسفته في القيادة. برحيله، طُويت صفحة بابوية حملت الكثير من الجرأة، وفتحت آفاقًا جديدة أمام الكنيسة، ومثّلت نبراسًا لكل من يؤمن بأن التواضع قد يكون أعظم أشكال القوة.