بلغة صريحة ومباشرة قطعت مع لغة التشكيك في الموقف الأمريكي من مغربية الصحراء، بعد التردد الذي عرفه في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، عادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتؤكد موقفها الداعم لمغربية الصحراء، معززة بذلك التوقعات بشأن اقتراب المملكة من حسم الملف الذي عمر لعقود طويلة من الزمن.
وبدا لافتا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتردد، على لسان مسؤولين في خارجيتها، منذ البداية في التأكيد على دعم المغرب وسيادته على صحرائه، مشددة على أن مقترح الحكم الذاتي يبقى الحل الوحيد للصراع المفتعل، الأمر الذي يلقي مزيدا من الضغوط السياسية والدبلوماسية على جبهة البوليساريو الانفصالية وراعيتها الجزائر.
الموقف الأمريكي الرسمي الداعم لمغربية الصحراء، الذي عبرت عنه الإدارة الأمريكية مرتين على الأقل، لا يمكن إلا تزكيته، حسب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة خالد الشيات، الذي بيّن أن هذا الموقف برز أولا من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي ثم أثناء استقبال وزير الخارجية المغربي بدعوة من الخارجية الأمريكية.
وأوضح الشيات، في تصريح لهسبريس، أن الموقف الأمريكي المساند للمغرب تبين ثانيا من خلال استقبال المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من قبل ممثلة وزارة الخارجية الأمريكية وتصريحها “علناً ورسمياً باسم الحكومة الأمريكية بأنها مع مغربية الصحراء ومع مقترح الحكم الذاتي باعتباره آلية أساسية لحل النزاع في إطار الأمم المتحدة وفي إطار الأدبيات والمبادئ التي تقرها الأمم المتحدة، وهي من مبادئ حل النزاع المتعلقة بالسلمية والتفاوضية والقابلة للتنزيل والواقعية”.
وأضاف أن هذا الموقف الرسمي الأمريكي “لا يمكن إلا أن يضاف إلى متانة العلاقات المغربية الأمريكية على مستويات متعددة استراتيجية، أمنية واقتصادية وتجارية، وأيضا ثقافية ولغوية وحضارية إنسانية”.
وأشار الشيات إلى أن بعض التأويلات التي أعطيت لحوارات معينة، خاصة للمسؤولين الأمريكيين، من طرف خصوم الوحدة الترابية للمغرب و”فسرت بأنها نوع من التوازن في الموقف الأمريكي الرسمي، لا يمكن إلا أن تقرأ في سياق آخر”، موردا أن الاحتفاء الذي عبرت عنه البوليساريو نابع من “تهيئة الأجواء النفسية الاجتماعية الداخلية لقبول الحل السياسي بالتدخل الأمريكي، وقبول أصلا الوساطة الأمريكية”، مذكرا بأن الجزائر كانت دائما تسوّق أنها “بعيدة عن هذا النزاع وأنها لا تقبل أي وساطة”.
وفسر الخبير في العلاقات الدولية أن المستهدف الأساسي من التصريحات الرسمية الحكومية هو “الداخل الجزائري والداخل في مخيمات تندوف، وليس طبيعة الموقف الأمريكي”، الذي اعتبره “صلباً وقوياً لدولة مؤثرة”، مرجحا أن يكون لهذا الموقف “أثر كبير جدا على منظومة ومسار الحل السياسي والسلمي للملف في إطار الأمم المتحدة”.
من جهته، اعتبر عبد الله أبو عوض، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي، أن العالم يعرف تحولات كبيرة على مستوى سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة في بعدها الاقتصادي، وهو ما “ينعكس على الأبعاد السياسية الخارجية، وعلى كل الدول بدون استثناء”.
وأوضح أبو عوض، ضمن تصريح لهسبريس، أن في ملف العلاقات المغربية الأمريكية “عاد ملف الوحدة الترابية من جديد بقوة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولكن بلغة الحسم التي ظهرت في نبرة دي ميستورا، وكذلك المكلف بالعلاقات الأمريكية الإفريقية الذي أكد موقف الولايات المتحدة الأمريكية حول سيادة المغرب على الصحراء المغربية، وكل وحدته الترابية”.
وزاد مفسرا أن هذا الموقف “يثمن العلاقات المغربية الأمريكية والاعتماد الأمريكي على سياسة المغرب الإفريقية”، مؤكدا أنه بعد الاعتراف الأمريكي، صار الضغط الدبلوماسي والتحرك السياسي الخارجي المغربي في “طريق حل النزاع المفتعل من عصابة البوليساريو ودول الجوار نهائيا”.
وبخصوص الزخم الذي يشهده الملف، قال أبو عوض: “لا يعتبر ذلك زخما، بقدر ما يمكن القول إن الملف في الإدارة الأمريكية صار محسوما”، مسيرا إلى أن النقاش الدائر هو بسبب “المناوشات السياسية التي تعتمدها دولة الجزائر نتيجة فقدانها السيطرة على المراوغة في حماية عصابة البوليساريو، التي يمكن اعتبارها منظمة إرهابية حسب ما لاح في تصريح لعضو بالكونغرس الأمريكي”.
وشدد أبو عوض على أن هذا التوجه هو “ما ينبغي السير فيه قدما لمحاسبة عصابة البوليساريو على الانتهاكات التي قامت بها ضد حقوق المدنيين المغاربة المسجونين في مخيمات تندوف”، بل حتى عندما يغلق الملف الذي صار من ماضي السياسة المغربية، فإنه ينبغي متابعة “مجرمي الحرب” أمام المحاكم الدولية.