تواصل تركيا مساعيها لتوسيع رقعة نفوذها في قطاع الطاقة، من خلال توقيع سلسلة من الاتفاقيات الدولية الطموحة في مجال التنقيب عن النفط والغاز خلال عام 2025، وهو ما يعكس توجّهًا إستراتيجيًا لتقليص الاعتماد على الاستيراد وتلبية الطلب المحلي المتزايد.
وتأتي هذه الخطوات في ظل تصاعد أنشطة أنقرة في استكشاف الموارد الهيدروكربونية، مدفوعة بنجاحات محلية على غرار اكتشافات حقل صقاريا في البحر الأسود.
ووفقًا لقاعدة بيانات قطاع الطاقة التركي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تسعى أنقرة -التي تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة- إلى تقليل فاتورة واردات الوقود، من خلال تنويع مصادر الإمداد وتوسيع نطاق أعمالها في الأسواق الأجنبية، لا سيما في أوروبا، والقرن الأفريقي، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى.
وتعكس الصفقات التي وُقّعت خلال الأشهر الـ4 الأولى من عام 2025 زخمًا متصاعدًا في تحركات أنقرة نحو تعزيز أمنها الطاقوي.
وتتوزع صفقات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز هذا العام بين دول أوروبية مثل المجر وبلغاريا، وأخرى عربية مثل الصومال والعراق وليبيا وسوريا، بالإضافة إلى باكستان وتركمانستان، في إطار سعي تركي واضح لتكريس مكانتها بصفتها مستثمرًا إقليميًا في الطاقة، ولاعبًا نشطًا في سوق التنقيب العالمية.
ويُعَد حقل صقاريا مثالًا حيًّا على قدرة أنقرة على تحويل الاكتشافات إلى مشروعات إنتاج، وهو ما يمنحها ثقة إضافية بإدارة عمليات الاستكشاف خارج الحدود.
صفقات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز
تأتي صفقات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز، في البلاد المذكورة أدناه منذ بداية عام 2025:
- الصومال.
- باكستان.
- المجر.
وتصدّرت صفقات تركيا للتنقيب هذا العام اتفاقيةٌ موقّعة مع الصومال، تُعد الأكبر في حجم المساحة التي تغطيها، وتشمل عمليات استكشاف وإنتاج برية وبحرية.
ووفق ما كشفه وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، فإن الاتفاقية تشمل 3 مناطق برية تمتد على مساحة 16 ألف كيلومتر مربع، وأخرى بحرية تبلغ نحو 15 ألف كيلومتر مربع.
وأُنجز نحو 78% من أعمال المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد في المناطق البحرية، على أن تُستكمل بنهاية مايو/أيار المقبل، ليُبنى عليها قرار الحفر المتوقع قبل نهاية 2025.

وتخطّط شركة النفط التركية "تباو" (TPAO) لبدء عمليات الاستكشاف البري خلال أشهر، مع التطلّع إلى تحقيق اكتشافات تدعم الاقتصاديْن التركي والصومالي.
وفي السياق ذاته، وقّعت أنقرة، الأربعاء 30 أبريل/نيسان، اتفاقية مع المجر لاستكشاف النفط والغاز في منطقتي بوزساك وتاماسي البريتيْن، بعد فوز "تباو" بمناقصة ضمن شراكة مع شركة النفط الوطنية المجرية، إذ تُعد هذه أولى تحركات تركيا للتوسع في سوق الطاقة لدى أوروبا الوسطى.

وامتدت أنشطة أنقرة إلى آسيا الوسطى، إذ بدأت "تباو" تقديم عطاءات مشتركة مع شركات باكستانية للحصول على تراخيص تنقيب بحرية.
وخلال منتدى باكستان للاستثمار المعدني 2025، وقّع البلدان اتفاقية لتقديم عروض مشتركة على 40 منطقة بحرية، إذ كانت الحكومة الباكستانية قد أعلنت، في فبراير/شباط الماضي، جولة مناقصة لمنح تراخيص استكشاف المناطق الواقعة في حوضي مكران والسند.
وستشارك شركة ماري للطاقة الباكستانية، وشركة تطوير النفط والغاز، وشركة النفط الباكستانية بصفة مشتركة في جولة العطاءات البحرية مع شركة تباو.
تركمانستان وبلغاريا
في السياق ذاته، أبدت أنقرة اهتمامًا خاصًا بإبرام شراكات لتطوير الحقول في تركمانستان، التي تُعد حليفًا ناشئًا في ملف الغاز، إذ بدأت تركيا مؤخرًا استيراد الغاز منها، وتطمح إلى توسيع التعاون نحو الإنتاج المشترك.
وتواصل تركيا مباحثاتها مع بلغاريا بشأن توقيع اتفاقية استكشاف في الجزء البلغاري من البحر الأسود، ومن المتوقع إبرام الاتفاق الشهر المقبل.
وكانت أنقرة قد وقّعت نهاية العام الماضي اتفاقًا مماثلًا مع وحدة تابعة لشركة شل، ما يُشير إلى اهتمام متزايد بالسواحل الغربية للبحر الأسود.
طموحات إقليمية وشراكات ناشئة
تشمل خريطة التحرك التركي أيضًا ليبيا والعراق، إذ تستعد أنقرة لتوقيع اتفاق تنقيب جديد مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، استكمالًا لاتفاقيات وُقّعت في 2022.
وتمنح هذه الاتفاقيات الشركات التركية حق التنقيب في المياه الإقليمية الليبية، في ظل تقارب سياسي مستمر بين البلدَيْن.
أما في العراق فقد كشف وزير الطاقة التركي عن أن بلاده مهتمة بعدد من الحقول في الشمال والجنوب، ضمن خطة توسعية تشمل دولًا ذات موارد طاقوية غنية، لكنها ما تزال تعاني ضعف البنى التحتية والاستثمار الأجنبي.
ووفقًا لمصادر مطّلعة تحدثت إلى منصة الطاقة المتخصصة، تبرز سوريا ضمن قائمة الدول التي تسعى تركيا لإبرام صفقات معها للتنقيب عن النفط والغاز، إذ طُرح الملف على طاولة النقاش خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، مؤخرًا، إلى أنقرة.

حقل صقاريا
شكّل حقل صقاريا حجر الزاوية في إستراتيجية تركيا الطاقوية، إذ بلغ إنتاجه نحو 9.5 مليون متر مكعب يوميًا خلال عام 2024، أي ما يعادل 6.6% من إجمالي استهلاك الغاز في البلاد.
وتخطّط أنقرة لرفع الإنتاج إلى 40 مليون متر مكعب يوميًا بحلول 2028، بعد الانتهاء من تطوير 26 بئرًا إضافية في المرحلة الثانية من المشروع.
ويقع الحقل في أعماق البحر الأسود، على بُعد 170 كيلومترًا من ساحل فيليوس، وتُعد البنية التحتية التي أُنشئت لتطويره من الأضخم في تاريخ تركيا بمجال التنقيب، ما يوفّر الخبرة والتقنيات اللازمة لدعم الصفقات الخارجية.

نحو مركز إقليمي للطاقة
مع توقيع 3 صفقات كبرى منذ مطلع العام، تواصل تركيا بناء سجل حافل في قطاع التنقيب عن النفط والغاز، سواء عبر توسيع نشاطها المحلي أو ترسيخ وجودها في الأسواق الدولية.
وتُظهر تحركاتها الأخيرة نهجًا إستراتيجيًا يوازن بين التنقيب والإنتاج من جهة، وبناء شراكات طويلة الأمد مع دول تمتلك احتياطيات ضخمة من جهة أخرى.
وتستعد أنقرة لاستضافة "القمة الدولية للموارد الطبيعية" في إسطنبول في 2 مايو/أيار 2025، لتكون منصة جديدة لتعزيز دورها في قطاع الطاقة العالمي، وترسيخ مكانتها بصفتها مركزًا إقليميًا لإنتاج الطاقة وتوزيعها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- تفاصيل اتفاقية تركيا وباكستان من منصة "أويل برايس".
- أنشطة شركة تباو التركية للتنقيب عن النفط والغاز.