تستعد شركة "شيفرون" الأمريكية العملاقة لتدشين عمليات مسح شاملة لقاع البحر في شرق المتوسط خلال صيف عام 2025، بهدف تمهيد الطريق لإنشاء خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي من حقل "أفروديت" القبرصي إلى مرافق المعالجة على الساحل المصري.
يأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية الشركة لتطوير احتياطيات الغاز في المنطقة وتعزيز التعاون الإقليمي بين قبرص ومصر في قطاع الطاقة.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "إيكاثيميريني" اليونانية في 8 أبريل 2025، فإن شيفرون قد وقّعت اتفاقيات مع الحكومة القبرصية لتطوير هذا الحقل، مما يبرز الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع.
وفي الوقت نفسه، تتطلع مصر لاستقبال الغاز القبرصي لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة.
خلفية المشروع وحقل أفروديت
يقع حقل "أفروديت" على بعد حوالي 160 كيلومترًا جنوب الساحل القبرصي ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، واكتشفته شركة "نوبل إنرجي" في عام 2011 قبل أن تستحوذ شيفرون على الحصة الأكبر فيه لاحقًا.
يقدر احتياطي الغاز في الحقل بنحو 4.5 تريليون قدم مكعب، مما يجعله موردًا حيويًا للاقتصاد القبرصي. تتولى شيفرون عملية تطوير الحقل بالتعاون مع شركتي "شل" البريطانية الهولندية و"نيوميد إنرجي" الإسرائيلية.
في أواخر عام 2024، وافقت الحكومة القبرصية على خطة إنتاج معدلة تشمل إقامة منصة عائمة لمعالجة الغاز ومد خط أنابيب إلى مصر.
أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس في مؤتمر صحفي في نيقوسيا أن الحكومة تسعى لتسريع تطوير الحقل لتعزيز دور قبرص كمورد طاقة إقليمي.
وأضاف أن المشروع يسهم في تحقيق الاستقلال الطاقي للجزيرة ودعم الاقتصاد المحلي من خلال عوائد التصدير.
من جهتها، أوضحت شيفرون أن حقل أفروديت يشكل ركيزة أساسية في خططها طويلة الأمد لتوسيع عملياتها في شرق المتوسط، وفقًا لتصريحات نقلتها مجلة "Oil & Gas Journal" في عددها الأخير.
تفاصيل خطة المسح والبنية التحتية
تبدأ شيفرون عمليات مسح قاع البحر في يونيو 2025، حيث تسعى الشركة إلى رسم مسار دقيق لخط الأنابيب الذي سيمتد من حقل أفروديت إلى الساحل المصري، مع توقعات بأن الوجهة المحتملة هي منطقة إدكو أو دمياط، المعروفتين بمنشآتهما المتطورة للغاز المسال.
ستستخدم شيفرون سفن مسح متطورة مزودة بتقنيات سونار حديثة لدراسة التضاريس البحرية والمخاطر الجيولوجية مثل الزلازل أو الانزلاقات تحت الماء. كما تخطط الشركة لإنشاء منصة إنتاج عائمة (FPU) في المياه القبرصية، تقوم على فصل الشوائب من الغاز وتجهيزه للنقل.
توصلت شيفرون إلى هذه الخطة بعد مفاوضات مكثفة مع الحكومة القبرصية. في البداية، كانت شيفرون قد اقترحت نقل الغاز مباشرة إلى مصر عبر خط أنابيب بسيط، ولكن الحكومة القبرصية دافعت عن استخدام منصة عائمة لزيادة المرونة في التصدير إلى أسواق أخرى مثل أوروبا أو آسيا.
وأفادت وكالة "رويترز" أن الاتفاق النهائي جمع بين الخيارين، مما يعكس حلولًا وسطًا تلبي طموحات الطرفين.
التعاون الإقليمي ودور مصر
يعزز هذا المشروع التعاون الإقليمي بين قبرص ومصر، حيث وقّع البلدان في فبراير 2025 سلسلة اتفاقيات خلال مؤتمر الطاقة الدولي في القاهرة (Egyps 2025). تضمنت هذه الاتفاقيات إطارًا لنقل الغاز القبرصي إلى مصر لمعالجته وإعادة تصديره كغاز مسال إلى أوروبا.
تمتلك مصر بنية تحتية متطورة تشمل محطتي تصدير رئيسيتين في دمياط وإدكو، وقد أنتجتا أكثر من 8 ملايين طن من الغاز المسال في عام 2024، وفقًا لبيانات وزارة البترول المصرية.
أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالشراكة مع قبرص، مؤكدًا أن هذه الشراكة تدعم رؤية مصر لتصبح مركزًا إقليميًا لتوزيع الطاقة.
وأضاف الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس أن التعاون يعزز الاستقرار في شرق المتوسط ويفتح آفاقًا لمشاريع مشتركة أخرى. كما نقلت صحيفة "Financial Times" عن مسؤول في شيفرون قوله إن مصر تمثل "البوابة المثالية" لتصدير الغاز القبرصي، نظرًا لموقعها الاستراتيجي وخبرتها في معالجة الموارد.
يتماشى هذا المشروع مع جهود الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة بعد أزمة الغاز الروسي في 2022.
وأفاد تقرير لمركز "كارنيي" الأمريكي أن شرق المتوسط قد يسد جزءًا من الفجوة الطاقية في أوروبا، خاصة مع تزايد الطلب على الغاز المسال.
التحديات والتوقعات المستقبلية
تواجه شيفرون تحديات تقنية وسياسية في تنفيذ المشروع. يتطلب مد خط الأنابيب في أعماق تصل إلى 2000 متر استثمارات ضخمة تُقدر بنحو 4 مليارات دولار، كما أن المنطقة تشهد مخاطر جيولوجية مثل النشاط الزلزالي.
كما تعترض تركيا على عمليات التنقيب في المياه القبرصية، مدعية أنها تقع ضمن منطقتها الاقتصادية، مما يثير توترات جيوسياسية قد تعيق التقدم. وأشار تقرير لموقع ميدل إيست آي إلى أن أنقرة قد تلجأ إلى الضغط الدبلوماسي أو المناورات البحرية للتعبير عن رفضها.
رغم هذه التحديات، تدعم الولايات المتحدة المشروع كجزء من استراتيجيتها لتعزيز أمن الطاقة في شرق المتوسط، مما يمنح شيفرون دفعة سياسية قوية.
ويتوقع المحللون أن يبدأ إنتاج الغاز من حقل أفروديت بحلول عام 2029، بطاقة أولية تصل إلى 800 مليون قدم مكعب يوميًا، وفقًا لتقديرات نشرتها مجلة "إنيرجي إنتلجنس".
تسعى شيفرون من خلال مسح قاع البحر في شرق المتوسط وإنشاء خط الأنابيب لربط حقل أفروديت بمصر إلى تعزيز استغلال موارد الغاز في المنطقة، مما يعزز الشراكة بين قبرص ومصر ويضع شرق المتوسط كمركز طاقة عالمي ناشئ.
تبدأ عمليات المسح في صيف 2025، وتفتح هذه الخطوة آفاقًا لتحول كبير في مشهد الطاقة الإقليمي، مدعومة بالتكنولوجيا المتقدمة والتعاون الدولي. نجاح هذا المشروع سيمهد الطريق لمبادرات مستقبلية، مما يعزز الأمن الطاقي والنمو الاقتصادي في المنطقة لعقود قادمة.