أخبار عاجلة

عماد الدين حسين يكتب: لماذا انصدم البعض من واقعية عبدالناصر؟

عماد الدين حسين يكتب: لماذا انصدم البعض من واقعية عبدالناصر؟
عماد الدين حسين يكتب: لماذا انصدم البعض من واقعية عبدالناصر؟

لماذا أصيب كثيرون من محبى الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بالصدمة من بث المحضر الصوتي للقاء بينه وبين الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافى الذي تم في ٤ أغسطس ١٩٧٠؟

الإجابة ببساطة لأن هؤلاء لديهم تصور ثابت يقترب من اليقين بأن عبد الناصر لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام رغم أنهم لو دققوا في البحث لاكتشفوا أن عبدالناصر قال ذلك الكلام بأكثر من صيغة وعلنا وفى محاضر رسمية مذاعة ومعلنة منذ عودته عن قرار التنحي في ١٠ يونيو ١٩٦٧ وحتى رحيله المفاجئ فى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.

عبدالناصر لا يمكن أن يكون مسئولا عن هذا الانطباع أو تلك الصدمة، والمؤكد أن عبدالناصر ما بعد ٥ يونيو ١٩٦٧ غير عبدالناصر ما قبل هذا التاريخ.

قبل الهزيمة كانت لدى عبدالناصر أحلام وطموحات وآمال عظيمة، وهنا أتحدث فقط عن العلاقات الدولية والصراع مع إسرائيل، وليس عن السياسات الداخلية خصوصا العدالة الاجتماعية.

بعد ١٩٦٧ صار عبدالناصر رئيسا شديد الواقعية، لا يطلق الكثير من الشعارات، بل ركز معظم جهده على إعادة بناء القوات المسلحة، وأن يصبح معظم المجندين من حملة المؤهلات العليا، حتى يكونوا قادرين على التعامل مع الأسلحة الحديثة.

وبسبب ما حدث أدرك ناصر أن الاتحاد السوفييتي يؤيده فعليا، لكن لديه حسابات أيضا في علاقاته مع أمريكا ومع الغرب.

فى أوراق عبدالناصر العديد من الأدلة على أنه صار إنسانا مختلفا إلى حد كبير بعد الهزيمة. هو قال في محاضر منشورة للحكومة تارة وللاتحاد الاشتراكي تارة أخرى ما معناه أنه يتعجب من أن الشعب لم يخرج عليهم ليضربهم بالرصاص أو بالأحذية بسبب النكسة، وأنه كان قد فقد السيطرة على الجيش منذ عام ١٩٦٠، ولم يكن قادرا على تغيير المشير عبدالحكيم عامر، وأنه أخطأ كثيرا بسبب عدم وجود تعددية حقيقية داخل المجتمع، بل إنه تحدث عن ضرورة وجود معارضة فعلية، لكن ما حسم هذا الأمر أو على الأقل أجّله وجمّده هو قول الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، إن الجنود على الجبهة لا يستطيعون الاستعداد للحرب فى ظل هذه الانتقادات المستمرة الموجهة إليهم، وبعد ذلك رفع شعار لا شيء يعلو على صوت المعركة. وتأجيل كل شيء حتى إزالة آثار العدوان.

بعد ١٩٦٧ صار عبد الناصر أكثر إدراكا للحقائق على الأرض ومعظمها حقائق لم تكن واضحة من قبل، وربما لم يحب أن يراها أو تم تغييبه عنها.

أدرك عبدالناصر أكثر أنه يحارب أمريكا فعلا وليس قولا وأدرك أن إسرائيل ليست هذا الكيان الهش الذى كانوا يسخرون منه، وأدرك أكثر أن غالبية الحكومات العربية تقدم الكلام أكثر من الأسلحة والمساعدات وأنه عمليا لا توجد إلا مصر فى قلب المعركة.

بسبب كل هذه الخلفية صار عبدالناصر شديد الواقعية، ولهذا جدد قبول مبادرة وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز في ٢٢ يوليو ١٩٧٠، حتى يتمكن من إكمال بناء حائط الصواريخ ويوقف الغارات الإسرائيلية على العمق المصري، وكذلك حتى يختبر مدى جدية الولايات المتحدة فى تنفيذ القرار ٢٤٢ القاضي بانسحاب إسرائيل من الأرض التي احتلتها في يونيو ٦٧.

هذا هو الواقع والأكثر واقعية أن العديد من الأنظمة العربية التي كانت ترفع شعار النضال والكفاح المسلح لم تكن تملك إلا الكلام والمزايدات على عبدالناصر وعلى كل الرؤساء المصريين الذين أتوا من بعده.

مصر حاربت ٤ حروب فى ١٩٤٨، و١٩٦٥، و١٩٦٧، و١٩٧٣، ولم تتلق إلا أقل القليل من المساعدات العربية.

وبالتالي فهذه الخلفية أدركها عبدالناصر، لكن العديد من محبيه وأنصاره لم يدركوها فعليا، وحتى لو أدركوها فإن بعضهم ظل منكرا لها، وهو أمر لا يسىء لعبد الناصر قدر ما يسيء إلى من لم يرد أن يرى الحقائق على الأرض.

نفسيا وشعوريا وسياسيا ظل بعض أنصار عبدالناصر يريدون أن يروا هذه الصورة فقط المتعلقة بمحاربة إسرائيل طوال الوقت، حتى لو لم تكن الظروف والموارد والإمكانيات تسمح بذلك. وهذه الفئة هى التى تأثرت كثيرا ببث جلسة اللقاء بين ناصر والقذافى.

لكن ـ وهذا هو الأهم ــ الأمر لم يزعج فقط بعض أنصار ناصر، لكنه أزعج أكثر جمهور التيار الإسلامي الذي فكّر بنفس تفكير أنصار عبد الناصر ومحبيه، وهذا الأمر لا يتعلق بمحاكمة الماضي، بقدر ما يستهدف المستقبل، وتلك هي ربما كلمة السر في صدمة بث لقاء ناصر والقذافى.

نقلا عن "الشروق"

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الجمعة 2 مايو 2025
التالى غلق باب التصويت بانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين