أخبار عاجلة
الرئيس السيسى يصل مقر الكرملين -

أطفال الحرب... أجيال ولدت في الجحيم السوري

أطفال الحرب... أجيال ولدت في الجحيم السوري
أطفال الحرب... أجيال ولدت في الجحيم السوري

ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن تأثير الحرب السورية على الأطفال كان عميقًا ومأساويًا، وامتد ليشمل جميع جوانب حياتهم سواء النفسية أو الجسدية أو الاجتماعية أو التعليمية، بل وحتى هويتهم الوطنية والثقافية، تلك الحرب التي امتدت لنحو عقد ونصف خلّفت جيلًا كاملًا يعاني من التشوهات النفسية والوجدانية، ويعيش تحت وطأة الخوف والحرمان والضياع، وربما يحتاج إصلاح ما دمرته الحرب في نفوس هؤلاء الأطفال عقودًا من الرعاية النفسية، هذا إن توافرت الإرادة والقدرة.

من جانب آخر، تعرض مئات الأطفال للتجنيد القسري لدى مختلف أطراف النزاع السوري، إلا أن المتورط الأكبر في هذه القضية هم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفق تقارير الأمم المتحدة، فيما تسبب تنظيم "داعش" الإرهابي في زرع أفكار متطرفة في عقول مئات الأطفال لا يزال منهم من يعاني من هذه الأفكار ويؤمن بها حتى اليوم من القابعين في مخيم الهول بريف محافظة الحسكة الشرقي.

من جهة أخرى، نزح ملايين الأطفال في سوريا مع عائلاتهم من مدنهم وقراهم إلى مناطق أخرى داخل سوريا، منهم من عاش ولا يزال في الخيام، ومنهم من ولد في تلك الخيام، وآخرون عاشوا في أبنية مدمرة جزئيًا في ظروف لا تتوافر فيها أبسط مقومات الحياة الأساسية، وخارج الحدود السورية، فوفق الإحصاءات الرسمية هناك أكثر من 2.5 مليون طفل سوري يعيشون كلاجئين أغلبهم في تركيا وأوروبا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وجزء كبير منهم يفتقرون للاستقرار في بلدان اللجوء ولا يشعرون بالانتماء لمجتمعاتهم الجديدة، وعدد من الأطفال في دول اللجوء لا يحملون أوراقًا رسمية، وبالتالي يعيشون بلا لقاحات ولا تعليم وبظروف مادية مزرية.

ولفتت الصحيفة إلى أن عشرات الآلاف من الأطفال قتلوا نتيجة القصف أو الجوع أو أثناء محاولات الهجرة، هذا فضلًا عن إصابات جسدية دائمة مثل بتر الأطراف أو فقدان البصر أو السمع أو الحروق وغيرها، إضافة إلى وجود آلاف الأطفال لا يزالون يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة مثل الكوابيس ونوبات الهلع والانطواء، إذ إن مشاهد الموت والجثث، وصراخ الضحايا أصبحت مألوفة لهم في سن مبكرة جدًا.

لم تقف مأساة الطفولة السورية عند هذا الحد، فالدخول إلى سوق العمل في المهن القاسية لأطفال دون سن العاشرة بات أمرًا طبيعيًا في سوريا، خصوصًا في ظل غياب الحماية القانونية، الأمر الذي جعلهم عرضة للاستغلال الاقتصادي والجسدي، وبين هذا وذاك ارتفعت خلال سنوات الحرب السورية نسبة تزويج القاصرات، سواء بسبب الفقر أو لأسباب أخرى، فدخلت فتيات إلى تحمل مسؤولية الأمومة قبل بلوغ سن الـ 15.

أرقام صادمة
منذ مارس 2011، وحتى نهاية 2023، وثقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" نحو "2.4 مليون طفل سوري محروم من التعليم، و6.5 مليون طفل تأثروا بالحرب بشكل أو بآخر"، أما مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فوثقت في الفترة ذاتها لجوء 2.5 مليون طفل إلى دول الجوار السوري الغالبية العظمى منهم في تركيا، فيما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 29 ألف طفل خلال الفترة ذاتها.

على صعيد التجنيد، وثقت الأمم المتحدة خلال فترة الحرب السورية تجنيد ما يزيد على 5 آلاف و700 طفل من قبل مختلف أطراف الصراع، فيما قالت منظمة "إنقاذ الطفولة" إن واحدًا من كل 6 أطفال سوريين في مناطق القتال أصيب بإعاقة دائمة.

حملة "دونما وجه حق"
في 11 يناير 2023، أطلقت الولايات المتحدة حملة إنسانية تحت وسم "دونما وجه حق"، تتضمن الحملة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلة السورية رانيا العباسي وأطفالها الستة، ورانيا العباسي هي طبيبة أسنان وبطلة الجمهورية في رياضة الشطرنج، مثلت سوريا في العديد من المنافسات الإقليمية والعربية، واعتقلها نظام الأسد عام 2013 مع زوجها عبد الرحمن وأطفالهما الستة "ديمة وانتصار ونجاح وآلاء وأحمد وليان"، الذين كانت أعمارهم حينذاك دون 14 سنة بذريعة تقديمهم مساعدات إنسانية لنازحين، ولا يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم بعد مرور أشهر على سقوط النظام.

عند إطلاق الحملة ذكرت الخارجية الأميركية أنه "عندما انطلقت الثورة في سوريا عام 2011، تعهدت رانيا بالبقاء في بلدها لتقديم الدعم ضمن مجتمعها المحلي وتربية أطفالها، وفي التاسع من مارس 2013 حضرت عناصر من فرع الأمن العسكري التابع لنظام الأسد في دمشق إلى منزلها واعتقلوا زوجها عبد الرحمن ياسين من دون سبب، وفي الـ 11 من الشهر نفسه، عاد عناصر الفرع مدججين بالسلاح لاعتقال الدكتورة العباسي وأطفالها الستة".

أطفال رانيا الستة لا يزال مصيرهم مجهولًا، وهم ليسوا الوحيدين الذين اختفوا في السجون السورية، بل يُضافون لمئات الأطفال الذين تم اعتقالهم ولا يُعرف عن مصيرهم أي معلومات حتى الآن، وقد شهد العالم كله خروج طفل يبلغ من العمر عامين من سجن صيدنايا ليلة سقوط النظام، الأمر الذي شكل صدمة لدى المنظمات المعنية بحقوق الأطفال.

أطفال مخيم الهول... زنزانة بلا جدران
في الصحراء الشرقية لمحافظة الحسكة، وعلى مقربة من الحدود العراقية، يقبع مخيم الهول الذي أنشئ أصلًا للاجئين العراقيين عام 1991، تحول بعد عام 2019 إلى أكبر معتقل مفتوح لأسر مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي، ومعهم آلاف الأطفال، ربما ذنبهم الوحيد أنه ولد في المكان الخطأ والزمان الخطأ.

وفق الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة و"قسد"، فإن مخيم الهول كان يحوي حتى نهاية 2023، ما يقارب من 50 ألف نسمة، نصفهم من الأطفال، وبينهم ما بين 8 إلى 9 آلاف طفل أجنبي من 60 دولة حول العالم، والباقي سوريون أو عراقيون.
جزء كبير من هؤلاء الأطفال ولد داخل المخيمات أو في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، وبعد حجزهم بالمخيم الذي لا يحتوي على مدارس ولا ملاعب ولا مرفقات صحية بالمقاييس المقبولة، أما ألعاب الأطفال بالمخيم فهي معدومة أو نادرة.

ويشهد المخيم بشكل متكرر أعمال عنف وعمليات قتل وخنق وطعن، حيث إن الأطفال هناك معرضون بشكل يومي لمشاهدة العنف، وغالبًا ما يكونون شهودًا على جرائم تُرتكب أمام أعينهم، ومنهم من تأثر بالفكر المتطرف، حتى أصبح جزء من أطفال مخيم الهول يُطلقون على أنفسهم اسم "أشبال الخلافة".

معظم الأطفال الأجانب في مخيم الهول لا تتابع دولهم ملفاتهم، وعدد كبير منهم محرومون من وثائق ولادة أو أوراق هوية، ولا يمكن لهم مغادرة المخيم قانونيًا، حتى لو انتهى عمر والدتهم في الاحتجاز، وبعض الأطفال في المخيم يبلغون خمس أو ست سنوات ولا يعرفون اسم بلدهم أو حتى لغته، وحتى الآن بعد سقوط النظام لا توجد برامج فعالة لإعادة التأهيل أو إعادة الدمج.

ويرفض عدد كبير من الدول الغربية إعادة رعاياه من الأطفال، خوفًا من مشكلات أمنية، فيما قامت بعض الدول باستعادة عدد قليل من أطفال رعاياها مثل كازاخستان وأوزبكستان وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا، فيما ترفض كل من تونس والمغرب والجزائر إعادتهم بأي شكل من الأشكال.

ووصفت الأمم المتحدة سياسات هذه الدول بأنها "انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل"، إذ إن اتفاقية اتفاقية حقوق الطفل (1989) تلزم الدول بإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالنزاع، وتعتبر "تجاهل إعادة هؤلاء الأطفال قد يشكل جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي".

ولادة في الجحيم
في 25 مارس 2025، أصدرت منظمة "يونيسف" تقريرًا حول الأطفال السوريين بعد مضي 3 أشهر على سقوط نظام الأسد، مما ورد في التقرير "يُقدّر أن أكثر من 75 في المئة من أطفال سوريا البالغ عددهم 10.5 مليون طفل، وُلِدوا خلال الحرب التي استمرت 14 عامًا، فعاشوا إذًا طفولتهم بأكملها في ظل التهجير والعنف والدمار، لقد دمرت سنوات الحرب والعنف حيوات أطفال سوريا، وعانى الكثيرون من شظف العيش طيلة سنوات حياتهم جميعها".

وأضاف التقرير "الحالة الإنسانية العامة للأطفال في عموم أنحاء سوريا مروّعة، إذ يعيش تسعة من كل 10 أشخاص تحت خط الفقر، والعديد من الأسر يضطرها اليأس وضيق اليد إلى اللجوء إلى تدابير مثل عمالة الأطفال وتزويج القاصرات، وإضافة إلى ذلك لا يزال 5 ملايين طفل على الأقل معرضين لخطر بقايا الحرب التي لم تنفجر، بسبب وجود قرابة 300 ألف من البقايا القابلة للانفجار في جميع أنحاء البلاد، وأكثر من 40 في المئة من أصل نحو 20 ألف مدرسة في البلاد لا تزال مغلقة، ما يترك أكثر من 2.4 مليون طفل خارج الفصول الدراسية وأكثر من مليون في خطر ترك الدراسة".

وتابعت "يونيسف" في تقريرها "يعاني أكثر من 500 ألف طفل دون الخامسة من سوء التغذية المهدّد للحياة، وهناك مليونا طفل آخرون على حافة سوء التغذية، وتظل القدرة التشغيلية لتوفير المياه النظيفة عبر 14 محافظة في البلاد دون 50 في المئة، وتنخفض إلى 23 في المئة عندما لا تتوافر الكهرباء، كما يتم تصريف 70 في المئة من مجمل مياه الصرف الصحي في البيئة من دون معالجة؛ ويجتمع هذان العاملان ليصنعا مزيجًا خطيرًا على الأطفال".

بنادق صغيرة في حرب الكبار
بعد تصاعد حدة العنف في سوريا، ووصول الصراع إلى مراحل متقدمة كثرت فيها الأطراف المتنازعة، وغادر مئات الآلاف من الشباب البلاد، بدأت الأطراف المتنازعة تتنافس ليس فقط على الأرض والسلاح، بل على عقول وأجساد الأطفال، فأصبح الطفل السوري مقاتلًا ومخبرًا، وحتى انتحاريًا قبل أن يتهجّى اسمه.

وفق المنظمات الحقوقية المعنية بالأطفال، إضافة إلى بيانات الأمم المتحدة، فإن هناك أكثر من 20 جهة عسكرية مسلحة بمختلف الأراضي السورية استخدمت الأطفال للتجنيد الإجباري، أبرزها "قوات سوريا الديمقراطية" وتنظيم "داعش" الإرهابي، فوثقت الأمم المتحدة تجنيد 5 آلاف و700 طفل خلال سنوات الحرب الـ 13، فيما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 800 طفل جُندوا وانتهى بهم المطاف قتلى، لتؤكد منظمة "أنقذوا الطفولة" أن 35 في المئة من الأطفال الذين تم تجنيدهم هم تحت سن الـ 15.

ووفق المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل "يُحظر تجنيد الأطفال دون 15 سنة"، ووفق البروتوكول الاختياري الصادر عام 2000 يُمنع التجنيد الإجباري تحت 18 سنة، أما نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية فيُصنف تجنيد الأطفال كـ "جريمة حرب".
بالمحصلة، إن الجيل السوري الذي وُلد خلال الحرب هو جيل مهدد بالكامل بلا طفولة، بلا تعليم أو أمان، بل بلا هوية في كثير من الحالات، ويواجه المجتمع السوري والدولي مهمة صعبة في إعادة تأهيل هذا الجيل المنكوب الذي وُلد في الجحيم، في وقت لا تزال أغلب الدول تتجاهل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاهه، وضعف القدرات لدى الحكومة السورية عن معالجة مثل هذه القضايا في ظل وجود أولويات أخرى.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق هل ينسحب من الدوري؟.. الزمالك يوضح موقفه حال رفض خصم نقاط الأهلي
التالى فيديو | إنتر ميلان وبرشلونة يتعادلان في قمة مجنونة بذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا