أخبار عاجلة

العقيدة الدينية الأمريكية وتداعياتها على إبادة الشعب الفلسطيني

 

بقلم دكتورة هدى درويش أستاذ الأديان المقارنة

 

في بداية القرن التاسع عشر راج فكر المذهب البروتستانتىي في الولايات المتحدة ، إثر هجرة الطوائف البروتستانتية التي استولت عليها فكرة الحرب الكونية في نهاية الأيام، والتي وصفوها بأنها ستكون حربًا مدمرة بين اليهود والمسلمين ، وقد اعتبروا أن أمريكا هي كنعان الجديدة زاعمين أن الله اختار العنصر الأنجلوسكسوني الأبيض لقيادة العالم.
وقد كان بداية التوجه المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو الايمان بالصهيونية عن طريق عدد من المؤسسات تأسست لتشجيع اليهود ودعمهم من أجل إقامة مملكتهم في الوقت الذى ساهمت فيه عقيدة دينية عرفت باسم المورمونية تأسست عام 1820م على يد شخص يدعى جوزيف سميث، وكان منتسبًا لمحفل الماسونية ، وهو الذى قام بنشر هذه العقيدة في أربعينيات القرن التاسع عشر، واتخذت اسمها من كتاب أصدره سميث ، باسم مورمون، ومن هنا تكونت علاقة قوية بين المورمون والماسونية ، وكان أصحاب العقيدة المورمونية ينظرون إلى جوزيف سميث على أنه نبي أمريكا .
من أبرز عقائد المورمونية الإيمان الشديد بالكتاب المقدس ، وضرورة إعادة جمع إسرائيل واستعادة الأسباط ، وأن صهيون هي أورشليم الجديدة، وان المسيح سيسود الأرض لتكون متجددة ومجيدة . كذلك يؤمنون بضرورة بناء الهيكل وبذل الأموال لبنائه والإسهام في ازالة جميع الأماكن الإسلامية المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى .
أيضًا يعتقد أتباع المورمونية أن المسيح ظهر لمجموعة من الناس في الولايات المتحدة بعد قيامته وصعوده إلى السماء ،مما أدى الى اعتراضات من جانب الكنائس المسيحية ، التي اعترضت أيضًا على عقيدتهم بأن جوزيف اختاره الله ليكون نبيا لهم مثله مثل موسى عليه السلام وأن عملية الوحى الإلهي لا تزال مستمرة ، وهو ما يناقض أقوال المسيحيين أن الوحى قد انتهى برحيل تلاميذ المسيح وكذلك عصر الأنبياء . وقد أدت هذه الخلافات إلى وقوع مواجهات دامية بين المورمون والمسيحيين الذين عدوهم مهرطقين .
ورغم أن سميث كان يرى أن الولايات المتحدة موضع الحلول والكمون بمعنى الحلول الإلهي ، إلا أنه كان يرى أن فلسطين هي الأخرى موضع حلول وكمون للشعب اليهودي؛ لذا كان يرى أن ثمة ضرورة لتجميع اليهود في فلسطين باعتبارها أرض إسرائيل، تحقيقًا للوعد الإلهي للمؤمنين الجدد الذين يجب عليهم التجمُّع في أرض الميعاد الجديدة.
وكان لهذه العقيدة أتباع في كل أنحاء الولايات المتحدة وخارجها يصل أعدادهم حوالى خمسة ملايين شخص ولها جامعة باسم (برجهام ينج) )، تحظى باهتمام كبير من جانب الإعلام الأمريكي الذي قام بالترويج لها بزعم أن مبادئها الدينية تستند إلى توجهات دينية أخلاقية تتعامل مع أصعب القضايا لنشر السلام في العالم.
ويعمل أتباع المورمون على إقناع الطوائف المسيحية للدخول في المورمونية والانضمام إليها حيث أصبح عدد المؤمنين بهذه العقيدة في أمريكا ستة ملايين شخص، كما توجد ولايات تدين بهذه العقيدة بنسبة 71% من مسيحييها .
ويطلق على الصهيونية المسيحية (إنجيليو أمريكا الجدد) وهي في الأصل مجموعة من المعتقدات الصهيونية انتشرت بين قيادات واتباع كنائس بروتستانتية أصولية تأثرت باليهودية عقديا وأيدلوجيا ، خاصة ما يختص بعقيدة نهاية الزمان و أسطورة هرمجدون الواردة في الكتاب المقدس، تحقيقًا لمجيء المسيح ليحكم فلسطين مدة ألف عام ( وهو ما يعرف ب العقيدة الألفية) .
وقد تبنى عدد من المؤسسات الأمريكية الرؤية الصهيونية المسيحية آملين في الحصول على الخلاص وتحقيق الرسالة الإلهية ، من هذه المؤسسات “شهود يهوا” و”فرسان الهيكل” و”مؤسسة جبل المعبد” وتعد أكثر المنظمات الصهيونية المسيحية الأمريكية التي تهدف لإقامة الهيكل في القدس وتضم رأسماليين أمريكيين كبارا ورجال دين بروتستانتيين أصوليين.
وتزعم الصهيونية المسيحية أن نهاية العالم بدأت منذ عام 1948 بقيام إسرائيل على أرض فلسطين وأن تأسيسها – على حد زعمهم – هو بمثابة التحضير للمعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر، وسوف ينتصر الخير (أمريكا وإسرائيل) على الشر (العرب والأوربيين) وتعيش قوى الخير لتحكم العالم ألف سنة في القدس باعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل بحسب زعمهم ، وما هي إلا استدعاءات واهية لتصورات دينية بدأتها الصهيونية المسيحية لتتبعها الصهيونية اليهودية.

ويأتي تهويد القدس وإقامة المستوطنات الحالية وما تشهده غزة في هذه الآونة من إبادة جماعية ومحاولات تهجير لسكانها بمشاركة أمريكا للتمكين الصهيوني في الأرض توظيفًا دينيًا لتراث تراكمي خدمة للأهداف التوسعية الصهيونية ، فكانت مقدمات أصولية بروتستانتية بريطانية أمريكية ، ظهرت على الساحة ممثلة في وعد بلفور 1917م ، ذلك االزمن الذى تخللته شخصيات ومنظمات ومؤسسات دينية وإعلامية وسياسية وتجمعات عاشت على الكثير من الخرافات والتخيلات والتزييف والتحريف ، لا علاقة لها بالدين أو التاريخ أو السياسة لتعطي حقا مزعومًا لشعب بلا أرض ولا تاريخ .
هذا ويتبنى هذا الفكر عدد كبير من رؤساء أمريكا ينتمون عقائديا وأيدلوجيا إلى دعم الصهيونية، فحين تولى جيمي كارتر رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن انه ولد من جديد من أجل دعم الوجود الإسرائيلي في فلسطين، فكان رونالد ريجان من أكثر المؤيدين والداعمين للوجود اليهودي حيث نادى بقيام حرب نووية إذا فكرت الدول العربية وروسيا غزو إسرائيل (نقلته صحيفة “نيويورك تايمز) ،ثم بوش الأب ثم بيل كلينتون الذي تم في عهده الموافقة على نقل السفارة الأمريكية بشكل مرحلي إلى القدس، حتى جاء ترامب الذي حول الفكرة إلى واقع بقراره التعسفي الذي أعلن فيه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وجعلها عاصمة لإسرائيل .
وخلال الأحداث الأخيرة في غزة لم يخرج جو بايدن عن مسار الرؤساء الأمريكان السابقين في تثبيت شرعية إسرائيل في فلسطين وتبني المصالح الصهيونية الإسرائيلية، ثم تدهورت الأمور إلى الأشد ضراوة في عهد ولاية ترامب الحالية. وما قام به هؤلاء الرؤساء إنما يتماشى مع أهداف الصهيونية والتحضير للدولة الإسرائيلية المزعومة.
والحقيقة فإن الكنائس الشرقية عارضت الصهيونية المسيحية بشدة واعتبرت أنها تسيئ استخدام الكتاب المقدس وتحث المسيحيين على تقديس إقامة دولة يهودية في فلسطين، حتى إن بعض الأساقفة بالقدس اعترضوا على تسمية الصهيونية المسيحية وأطلقوا عليها (الجماعات المتصهينة التي تدعي المسيحية).
وفى هذا الشأن صرح القس دكتور إكرام لمعي في كتابه (الاختراق الصهيوني للمسيحية) أن المسيحية الصهيونية هي حركة نشأت في أمريكا بغرض تحصين دولة إسرائيل واعتبار ان عودة اليهود لفلسطين هو تحقيق للنبوءات التوراتية والإعداد لمجيء المسيح ثانية إلى العالم، وأنها انتشرت في بعض الكنائس ووسائل الإعلام التي يعرفون كيف يديرونها جيدا ، وقد بدأ هذا الاختراق في التزايد منذ حرب 1967 مع صعود التيار الأصولي الدينى في أمريكا. ومعظم الكنائس المسيحية في القدس تدين هذه الحركة ويعتبرون أن ذلك مخالفة لرسالة السلام والمحبة التي يدعو اليها السيد المسيح.
وهكذا يظل الدعم الأمريكي للصهيونية نتاجًا لأسس عقدية تستند على وعد الله لشعبه المختار وقدوم المسيح ليحررهم ويخلصهم من الخطيئة والإثم، وينطلق الداعون لعودة المسيح بالتعلق بفكرة تعجيل النهاية والخلاص، زاعمين أن قيام إسرائيل هو علامة مجيء المسيح الذى سيبسط سلطانه على الأرض من النيل الى الفرات.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بث مباشر.. مشاهدة مباراة وفاق سطيف ومولودية وهران في الدوري الجزائري
التالى أرقام بالجملة.. محمد صلاح يسعى إلى التألق في مباراة ليفربول وليستر سيتي