أحمد بوزفور مختلف عن الكتاب المغاربة، لأنه ليس مريضا بذاته كما يفضلها (الذات) أغلبهم عن العالمين، كما أنه ليس كائنا طبقيا كما هم أغلبهم، لم يسكن قصرا ولا أنجب من يحمل اسمه ولا صنع نعمة في رمش العين وأظهرها للناس كما يحب الله. ثم إنه من القلائل الصادقين في قراءتهم لما يُكتب في البلاد، وقد يحدث أن تهدي كتابك لعبقري من أعلامهم فيرمي هديتك في “طارو تاع الزبل” حين تغيب عن عينيه. وهناك من يشفق على الهدايا فيهيّئ لها “كارتونا” في بيته يلقيها فيها.
وهو دمث الأخلاق طيب الرفقة إذا لم يمتعك بجلسته أمتعك بحسن إنصاته، وهو فوق هذا وذاك محسن إلى غيره من الكتاب، ناشئين ومغرقين في الشهرة، يقول الحق فيما يقرأ ويساعد البادئين في مشوار الكتابة بصدق وبعون مادي ومعنوي.
لكن الأهم في خصال هذا الرجل هو إبداعه الأصيل الذي يتميز به عن المتشبهين بالقامات العالمية واللصوص الذين يسرقون فقرة من هنا وأخرى من هناك، ويؤلفون مزبلة تستحي أن تنظر إليها فبالأحرى أن تقرأها. وهو لا يخرّف في الكتابة بادعاء التجريب والحداثة كما يفعل بعضهم من أصحاب الطبع والنشر في كل مكان، هؤلاء الذين لا يستحيون عن الكتابة في ممشى نعلك أو على غلاف قالب السكر أو في حلمك أو أينما وليت وجهك. كأنهم يخافون من نسيان الناس لهم، كذاك الذي كتب كتابين محترمين في أول عهده ثم دخل إلى دورة المياه فأخرج 30 كتابا غير مقروء.
إبداع بوزفور لعب لذيذ باللغة وإمتاع بالتركيب الذي لا يوافق أفق انتظارك، لا نتكلم عن اللعب اللفظي وإنما عن الظهور والتخفي البنائي، الذي لا يشرّح ولا يملح. وقد يكون بوزفور مشروع شاعر متردد مرر كل الشحنة الشعرية في هذه الكبسولة الصغيرة.
وقع حدث غير مسبوق في حياة أحمد بوزفور، تمثل في خروجه من الدار البيضاء للإقامة بشكل نهائي في “البلاد” وبذلك كان مفقودا ثم أضحى مولودا كعادة من تبتلعهم هذه المدينة الساحرة، في سن الثمانين من العمر وهو أكثر شبابا في فكره وعقله من شبابٍ عمرهم قرون من الخرافة.
مرة، قلت له:” إني تمتعت بقصتك “ماذا يشرب الأطفال” وكتبت عشرين قصة في فلسفة الكتابة والرؤيا نفسها، وأنت نوّعت وشكلت حتى لم أستطع إدراك أسلوبك؟” فلم يجبني ولكنه تبسم ابتسامته الطيبة ولم يزد على ذلك. وكأني بهذا الكاتب لا يكرر الكتابة وإنما يتجاوزها بانتقال الزمن، حتى أنه يصعب حصر قصصه في نوع ولا موضة. كاتب متجدد لا يَدرَك أبدا.
في سنه الثمانين، تمنيت لو تمّ إنجازُ احتفاء وطني واسع بهذه القامة الإبداعية العالية، سي احمد الجميل، المحبوب بكتاباته وشخصه وحياته المتفردة، هو رجل يكره “التبناد” والظهور بلا مناسبة، وقد سبق أن رفض جائزة المغرب انتصارا لمبادئه وأفكاره، بينما المنبطحون من أجل الجوائز لا حصر لهم ولا عدد. كما أنه لا ينقاد للإعلام السمعي البصري عند كل صيحة.
تحية لصديقي وأستاذي و”فقيهي” في القصة سي احمد، مع الأماني الصادقة بالصحة وطول العمر وكثرة الكتابة “على قدر الجهد”.